پایگاه تخصصی فقه هنر

زبدة البیان فی احکام القرآن-ج1-ص352

لينتفعوا به من الامر بالقول اللين، مع التصريح بالرجاء حتى لا يقصرا في الدعوة كما بين، ثم علله بقوله ” يتذكر “: ويتأمل فيبذل النصفة من نفسه، والاذعان للحق ” أو يخشى ” أن يكون الامر كما تصفان فينجر إنكاره إلى التهلكة، ولهذا قال في مجمع البيان وكان يحيى بن معاذ يقول هذا رفقك بمن يدعي الربوبية فكيف رفقك بمن يدعي العبودية وقال في الكشاف وجدوى إرسالهما مع العلم بأنه لن يؤمن إلرام الحجة، وقطع المعذرة ” ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فتبع آياتك(1) ” ففيه المبالغة كما ظهرت وإظهار الشفقة واللطف وإبطال دعوى أنه لا يريد من الكافر إلا الكفر، وأن ليس الحسن والقبح إلا شرعا بل قول افعل ولا تفعل، وهو ظاهر [ البطلان ] فافهم.

واعلم أيضا أن في قبول موسى معارضة فرعون بسحر السحرة معجزة دلالة واضحة على كون الحسن والقبح عقليين، وبطلان إفحام الانبياء عليهم السلام، وعدم صحة الجواب بأنه نحن نقول يجب عليك النظر سواء تنظر أو لا تنظر، وأن شرط التكليف هو العقل، وإمكان المعرفة، لا حصول العلم بمكلف به، لكل مكلف مكلف، وإلا دار وهو ظاهر، وهو في آيات شتى مثل ” ولقد رأيناه آياتنا كلها فكذب وأبى قال أجئتنا ” الآية(2).

وذا النون إذ ذهب مغاضبا(3) أي اذكر يا محمد يونس بن متى وقت ذهابه عن قومه، حين ضاق خلقه من وعظهم ودعوتهم، وعدم اتعاظهم وقبولهم، حالكونه مغضبا أي أغضبهم بمفارقته لهم، ولخوفهم نزول العقاب عليهم عند مفارقته لهم، و قرئ

مغضبا ” ويحتمل أن يكون المعنى باغضا لهم أيضا مع أنه ظن أن ذلك يجوز له، حيث ما فعل إلا لله فهو بغض لله، ولعل كان الاولى له الصبر، وانتظار الاذن والفرج من الله، فما صبر ” فظن أن لن نقدر ” أي ظن أن الله تعالى ما قدر عليه وما فرض له المعاتبة والتعنيف عليه أو ظن أنه لم يفعل الله معه فعل القادر


(1) طه: 134:

(2) طه: 56.

(3) الانبياء: 87.