زبدة البیان فی احکام القرآن-ج1-ص339
والجملة قائمة مقام فاعل نزل ومضمونه نهي المؤمنين عن مجالسة المعاندين والمستهزئين وقت إظهار العناد والكفر والاستهزاء بالآيات من الكفار، فضمير ” لا تقعدوا ” للمسلمين، و ” معهم ” و ” يخوضوا ” للكفار والمستهزئين ” إنكم إذا مثلهم ” أي إن تقعدوا حينئذ معهم فأنتم مثل الكفار والمستهزئين بآيات الله، في الاثم، إن قدرتم على المفارقة وعدم المجالسة معهم أو في الكفر والاستهزاء إن رضيتم بفعلهم فإن الجالس معهم الراضي بذلك الفعل، مثل الفاعل، فيقيد بقوله إن كنتم راضين بذلك.
فهي صريحة في تحريم المجالسة معهم حين الكفر والاستهزاء ولا يبعد فهم تحريم تلك المجالسة مع كل فاسق حين فسقه، مع القدرة على عدمها، وعدم الضرر، قال في مجمع البيان: ومتى كانوا راضين بالكفر كانوا كفارا لان الرضا بالكفر كفر ففيها دلالة على وجوب إنكار المنكر مع القدرة على ذلك وزوال العذر وأن من ترك مع القدرة عليه فهو مخطئ آثم وفيها أيضا دلالة على تحريم مجالسة الفساق والمبتدعين من أي جنس كانوا، قال جماعة من المفسرين ومن ذلك إذا تكلم الرجل بكذب فيضحك منه جلساؤه فيسخط الله عليهم، وروى العياشي باسناده عن علي بن موسى الرضا عليه السلام في تفسير هذه الآية أنه قال: إذا سمعت الرجل يجحد الحق ويكذب به ويقع في أهله، فقم عنه ولا تقاعده(1).
واعلم أن ظاهر الآية جواز مجالستهم بعد ذلك وعدم اتصافهم به وإن كانوا كفارا ومستهزئين لقوله ” حتى يخوضوا ” أي حتى يشرعوا في حديث غير الاستهزاء لانه غاية للتحريم قال في الكشاف فلا بأس أن تجالسهم حينئذ، فلا يحرم مجالسة الفساق في غير وقت الفسق بالطريق الاولى وهو خلاف المشهور بين الفقهاء فانهم يقولون بتحريم الاختلاط مع الفساق، ووجوب الاعراض عنهم، لتحريم الميل إليهم ومودتهم ومحبتهم، ولان ينتهوا عنه، ولكن يمكن أن يقال: ” حتى يخوضوا ” علة للنهي، يعني لا تقعدوا معهم، حتى يتركوا ذلك، فان الجلوس
(1) تفسير العياشي ج 1 ص 281.