زبدة البیان فی احکام القرآن-ج1-ص334
فاذا عزمت فتوكل على الله
قالوا إذا وطنت نفسك على شئ، بعد التأمل والشورى، فتوكل عليه في إمضاء أمرك على ما هو الاصلح والاليق بحالك فان ما هو صلاح لك لا يعلمه إلا الله، لا أنت ولا مشاورك، يعني لا تعتمد على رأيك ولا رأيهم وفعلك وفعلهم، وإن أصبت الحق بذلك، بل إن فعلت ذلك اعتقد أن الذي هو صلاح لك وتفعله ويحصل لك إنما هو بتسهيله تعالى إياه لك، وإلهامك عليه وإعلامه بأنه الاصلح، حيث لقيت ما هو الرشاد، سواء كان الذي اقتضاه رأيك أم غيره، فان الاصلح لا يعلمه إلا هو، وإنما أنت آلة ومكلف بظاهر الامر الذي تجده نافعا، وأما ما في نفس الامر لا يعلمه إلا الله فالذي يجب من التوكل عليه صلى الله عليه وآله وعلى غيره – كما يدل عليه ما بعدها وغيرها حتى أن في بعض الآيات إشارة إلى أن من لا توكل له لا إيمان له كقوله ” فعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين(1) ” – هو التوكل بهذا المعنى يعني تفويض الامر إلى الله، واعتقاد أن الذي تفعله قولا وفعلا وتجده صوابا لست بمستقل فيه، بل إنما هو بعناية الله وتوفيقه له إياك وإنما أنت تفعل ما يظهر كونه مشروعا ونافعا لك مع اعتقاد أن إصابة الحق و الصواب إنما هو توفيقه تعالى وتسهيله، فليس للمكلف فيه دخل إلا بطريق الآلية والمحلية والفاعلية.
وكأن هذا معنى التوكل الواجب الذي فسر في مجمع البيان بأنه إظهار العجز والاعتماد على الغير والتوكل على الله هو تفويض الامر إليه والثقة بحسن تدبيره وأصله الاتكال في فعل ما يحتاج إليه بمن يستند إليه، ومنه الوكالة لانها عقد على الكفاية بالنيابة، والوكيل هو المتوكل عليه بتفويض الامر إليه، يعني جعل نفسه كالمعزول والمعدوم فيما يفعله، مثلا إن من اتجر للرزق أو زرع فوض الامر إلى الله بمعنى أنه يعتقد أنه يرزقه الرزق والمال والزرع، فهما ليسا بفعله، بل يفعله الله، فهو الفاعل، والمتكل عليه، والحافظ للكل، إذ العبد والمال تحت قدرته، فلو لم يوفق له لم يحصل له شئ من الزرع والتجارة إلا التعب، وبالجملة النفع بالحقيقة
(1) المائدة: 23.