زبدة البیان فی احکام القرآن-ج1-ص327
إنفاذ الغيظ وترك العمل بمقتضاه بالكظم بالمعنى المذكور إشارة إلى عدم خروج شئ منه أصلا ولو قليلا فان المطلوب شد رأس القربة بحيث لا يترشح منه شئ أصلا وإلا لم يحصل الغرض، بل ينزل الماء ويبل ما تحته ويخرب فتأمل.
وكذا العفو عن الناس، وهو عدم عقابهم مما يستحقونه بفعلهم، ولكن ينبغي أن يكون بالنسبة إلى نفسه وبحيث لا يؤل إلى إبطال الحدود والتعزيرات الشرعية والتهاون فيها قال في مجمع البيان: روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال هؤلاء في امتي قليل إلا من عصمه الله وقد كانوا كثيرا في الامم التي مضت، وفيه دليل واضح على أن العفو عن العاصي مرغب فيه، مندوب إليه، وإن لم يكن واجبا وقال النبي صلى الله عليه وآله: ما عفا رجل عن مظلمة قط إلا زاده الله بها عزا ” والله يحب المحسنين ” والمحسن هو المنعم على غيره، على وجه عار عن وجوه القبح، ويكون المحسن أيضا هو الفاعل للافعال الحسنة من وجوه الطاعات والقربات(1) ولا يبعد كونه إشارة إلى الموصوفين المذكورين كأنه قال: والله يحبهم فعبر عنهم به، ليدل على كون ذلك حسنا أيضا وعدم الاختصاص بذلك الاوصاف فدل على محبة الله لهم وهو فوق إعداد الجنة لهم.
فدلت الآية على كون التقوى والانفاق وكظم الغيظ والعفو عن الناس و الاحسان الذي يجده العقل وبينه الشرع عبادات وقربات، وكذا المسارعة إليها بمنزلة عظيمة عند الله، وهو ظاهر، ويدل عليه الاخبار ويجده العقل أيضا فيرجى من الله كظم غيظه عن غير الكفار، والعفو عن الناس سواهم، والاحسان إليهم بل الانفاق عليهم، لانه إنفاق وكظم وعفو خال عن وجه قبح، فلا يترك مع أمر الناس الضعفاء به وكونها محبوبة عنده.
ثم قال في مجمع البيان مما جاء فيه من الاخبار ما رواه أبوأمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من كظم غيظه وهو يقدر على إنفاذه ملا الله قلبه يوم القيمة رضا، وفي خبر آخر ملا الله قلبه يوم القيمة أمنا وإيمانا، ثم قال: روي أن جارية لعلي
(1) راجع مجمع البيان ج 2: 505.