پایگاه تخصصی فقه هنر

زبدة البیان فی احکام القرآن-ج1-ص308

قيل: نزلت في رجل من الصحابة قتل رجلا من الكفار في الشهر الحرام فعيروا المؤمنين بذلك، فبين سبحانه أن الفتنة وهو الشرك أشد وأعظم من قتل المشركين في الشهر الحرام وإن كان غير جائز، ثم أمر الله وأوجب قتال الكفار حيث وجدوا وادركوا في الحل والحرم والشهر الحرام وغيره إلا ما يخرج بالتخصيص وأصل الثقف الحذق في أدراك الشئ علما أو عملا وهو متضمن لمعنى الغلبة وإخراجهم من مكة في مقابلة إخراجهم المسلمين عنها.

وأخبر أن الفتنة أي المحنة التي يفتتن بها الانسان، من الاخراج عن الاهل والوطن أشد من القتل أو أن شركهم في الحرم أشد كما دل عليه سبب النزول، أو أن صدهم المسلمين في الحرم أشد من قتلكم إياهم، ولا تبتدؤهم بالقتل في الحرم حتى لا يلزمكم هتك حرمة الحرم، فان ابتدؤكم بالقتال فجازوهم به، فان الوبال عليهم، حيث ابتدؤا به، وأنتم تجازون وتعدلون، فليس عليكم به بأس، ولا يلزمكم هتك الحرم، ومثل هذا الجزاء هو جزاء الكفار بالقتل في الحرم وإخراجهم عن الوطن والاهل والمال.

فدلت على وجوب قتال الكفار، وعلى وجوب إخراجهم عن مكة، كما قاله الفقهاء أيضا، بل أعم من ذلك حيث قالوا لا يجوز إسكانهم في جزيرة العرب لقوله عليه السلام لا يجتمع في جزيرة العرب دينان، وكأن لهم غيره من الاخبار وتفصيل المسألة في الفقه.

فان انتهوا فان الله غفور رحيم

(1) أي إن امتنعوا عن الكفر والقتل والاخراج وتابوا فان الله يغفر لهم ما أسلفوا ويرحمهم، فدلت على قبول التوبة من قتل العمد أيضا لان الشرك الذي هو أعظم منه تقبل التوبة عنه، فالقتل بالطريق الاولى كذا في مجمع البيان، وفيه تأمل فانه على بعض التفاسير والاحتمال، ومع ذلك يشكل بأن قتل العمد حق الناس وأنه ورد فيه الخلود في النار، وهو يشمل التائب أيضا فلا يلزم من سقوطه سقوطه، لان الله قد يسقط حقه بالتوبة، ولا يسقط حق


(1) البقرة: 189.