زبدة البیان فی احکام القرآن-ج1-ص304
عليه الاجماع وقد استدل عليه في التجريد سلطان المحققين بدليل عقلي ونقلي أما العقلي فهو أنه لا معنى لكون ذنب قليل محبطا لعبادة عظيمة، وبالعكس، حتى لو فعل الانسان دائما جميع العبادات إلى قرب موته ثم إذا فعل أدنى صغيرة تبطل تلك بالكلية، ويستحق به العقاب الدائم، وبالعكس، وهو ظاهر البطلان، ومذهب بعض المعتزلة وأما إسقاط المساوي بالمساوي وإبقاء الزيادة كما هو مذهب البعض الآخر منهم فلا يدل دليله العقلي عليه.
وأما النقلى فهو مثل ” فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ** ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره “.
وفي دلالته أيضا تأمل إذ من فعل خيرا واسقط له به عقاب يصدق أنه رآه وبالعكس، وبالجملة الاخبار والآيات متظافرة متكاثرة في وقوع الاحباط فانكاره لا يمكن، فلابد من التأويل لو صح عدم جوازه، والتأويل الذي في مجمع البيان غير واضح، إذ لا معنى لوقوع الفعل على وجه يستحق فاعله الثواب والمدح إلا الاتيان على الوجه المأمور به شرعا، يعني الاتيان به من جميع الشرائط المعتبرة في صحته حين الفعل، وقد فرض الاتيان على هذا الوجه ثم ارتد، ومنع هذا الاتيان في جميع الصور التي اطلق عليه الاحباط بعيد، ومعلوم أن عدم الارتداد فيما بعد ليس من شرائط صحة الفعل حين إيقاعه كما ذكره القاضي بل مطلقا عند الاصحاب إلا ما نقل عن الشيخ الطوسي رحمه الله أنه يبطل الحج بالردة وضعفه الاصحاب وتدل الآية أيضا على ضعفه وعلى تقديره أيضا لا ينبغي توقفه على التوبة كما يظهر من مجمع البيان.
والظاهر أن هذا التأويل إنما يصح على أن المسلم ما يرتد ولكن ذلك غير واضح وأيضا إنه ما يجري فيما إذا كان إحباط بعض الاعمال البدنية بالبعض، مثل أن شرب الخمر يحبط كذا وكذا، والزنا كذا وكذا، وأن الصلاة تكفر ذنب كذا وكذا، والحج كذا وكذا، وغير ذلك مما لا يحصى، فلا يبعد حمل قول الاصحاب ببطلان الاحباط والتكفير على اللذين ذكرناهما في الاول وادعينا