زبدة البیان فی احکام القرآن-ج1-ص303
مبتدأ وكفر كذلك عطف عليه والمسجد الحرام كذلك بتقدير صد، ويحتمل عطفه على سبيل الله، وفيها قصور لان حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه مجرورا مع كون المقدر، المعطوف عليه، قليل، بل غير معلوم الوقوع، والفصل بين المجرور وما يتعلق به بالمعطوف عليه بعيد، وقيل عطف على المجرور في ” به ” أي وكفر بالمسجد الحرام فعطف على المجرور من غير إعادة الجار وهو جائز بل واقع في القرآن العزيز مثل قوله تعالى ” تساءلون به والارحام(1) ” بجر الارحام وقول الكشاف والقاضي إنه ضعيف، باطل، فانه من السبعة المتواترة وفي أشعار الفصحاء أيضا واقع فينبغي القول به إذ لا دليل على نفيه لا عقلا ولا نقلا، وما ذكراه من أنه يلزم عطف على ما هو كبعض الكلمة، لا يصلح دليلا عليه، بحيث يلزم تأويل الآيات والاشعار.
والكفر بالمسجد عدم اعتقاد كونه معبدا ” والفتنة ” أي الكفر فانه فتنة في الدين ” أكبر من القتل ” الذي وقع في الشهر الحرام من المسلمين ” ولا يزالون يقاتلونكم ” يعني أن الكفار يقاتلونكم أيها المسلمون دائما حتى يرجعوكم عن دينكم إن قدروا على ذلك ” ومن يرتدد ” من المسلمين ” عن دينه ” ولم يتب حتى مات على الارتداد فأولئك صارت أعمالهم باطلة كأن لم يكن، ولم ينتفعوا بها في الدنيا والآخرة.
وسمى الهلاك حبطا لانه في الاصل كلا إذا أكله الماشية يلحقها الفساد في بطنها، ويقال: حبطت الابل يحبط حيطا إذا أصابها ذلك، قاله في مجمع البيان(2) وقال فيه إيضا معناه أنها صارت بمنزلة ما لم تكن لايقاعهم إياها على خلاف الوجه المأمور به، لان إحباط العمل وإبطاله عبارة عن وقوعه على خلاف الوجه الذي يستحق به الثواب، وليس المراد أنهم استحقوا على أعمالهم الثواب ثم حبطت لانه قد دل الدليل على أن الاحباط على هذا الوجه لا يجوز.
أقول: المشهور بين الاصحاب أن مذهب الاحباط والتكفير باطل، وقد ادعي
(1) النساء: 1.
(2) مجمع البيان: ج 2 ص 311.