زبدة البیان فی احکام القرآن-ج1-ص298
يطلب الظالم العصا من شخص لضرب مظلوم، فيعطيه إياها، أو يطلب منه القلم لكتابة ظلم فيعطيه إياه، ونحو ذلك مما يعد ذلك معاونة عرفا، فلا يصدق على التاجر الذي يتجر لتحصيل غرضه أنه معاون للظالم العاشر في أخذ العشور ولا على الحاج الذي يؤخذ منه بعض المال في طريقه ظلما وغير ذلك مما لا يحصى، فلا يعلم صدقها على شراء من لم يحرم عليه شراء السلعة من الذي يحرم عليه البيع ولا على بيع العنب ممن يعمل خمرا، والخشب ممن يعمل صنما، ولهذا ورد في الروايات الكثيرة الصحيحة جوازه وعليه الاكثر ونحو ذلك مما لا يحصى فتأمل.
والآية دلت على أن المعاون على الشئ كالفاعل في الخير والشر كما هو المشهور في الخبر أن الدال على الخير كفاعله، وفيه أيضا أن التصدق لو تعاقبت عليه كثرة الايدي ثم وقع بيد المتصدق يكتب للكل ثواب التصدق من غير نقصان شئ عن صاحبه فتأمل.
واتقوا الله إن الله شديد العقاب
فيجب الخوف عنه باجتناب جميع مناهيه من المعاونة على الاثم وغيره، وبترك الانتقام بغير ما استحق.
الثالثة: واذ قال ابراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق اهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الاخر قال ومن كفر فامتعه قليلا ثم اضطره إلى عذاب النار وبئس المصير(1).
فيها دلالة على جواز الدعاء بل كونه مرغوبا فيه ومندوبا إليه، إذ الظاهر أن إبراهيم عليه السلام لا يفعل الدعاء بكون البلد آمنا وبالرزق للمؤمن بالله واليوم الآخر – حيث جعل من آمن بدل أهله مطلقا فاسقا كان أو غيره – إلا إذا كان كذلك، بل لا يبعد الفهم كافرا أيضا مطلقا كما يشعر به قوله بعده ” ومن كفر فامتعه قليلا ” أي زمانا قليلا، وهو مدة بقائهم في الدنيا أو متاعا قليلا، وهو متاع الدنيا، وكل ذلك قليل بالنسبة إلى متاع الآخرة فكيف ما وصل منها إلى
(1) البقرة: 126،