زبدة البیان فی احکام القرآن-ج1-ص190
أن إبداءها نعم شئ لا قبح فيه، بل فيه ثواب وحسن، وإن تخفوا الصدقات وتؤتوها الفقراء خفية، فذلك الانفاق خير لكم من إظهاره، والله يسقط بسبب الانفاق مطلقا أو الانفاق المخفي بعض الذنوب عنكم، فمن تبعيضية، قيل: تلك الذنوب صغائر و قيل: أعم فان العبادات اللاحقة تسقط الذنوب المتقدمة وجوبا، وهو مذهب الاحباط والتكفير وعلى مذهب الاصحاب من بطلان الاحباط والتكفير عندهم على ما هو المشهور(1) بل ادعي عليه الاجماع يكون ذلك الاسقاط تفضلا من الله تعالى بعد ذلك الانفاق فما يصير واجبا إلا بوعده وقوله، لا قبله بسبب الانفاق، وكذا جميع ما ورد مثله في الاحباط والتكفير من الآيات والروايات، أو يقال: المجمع على بطلانهما هو إحباط المتأخر – ولو كان قليلا – جميع ما تقدم من الطاعة والمعصية، لا إسقاط ما يساويه، الله يعلم.
قال الفخر الرازي: القول بالاحباط باطل، لان من أتى بالايمان والعمل الصالح استحق الثواب الدائم، فاذا كفر بعده استحق العقاب الدائم، ولا يجوز وجودهما جميعا، ولا اندفاع أحدهما بالآخرة، إذ ليس زوال الباقي بطريان الطاري أولى من اندفاع الطاري لقيام الباقي، والمخلص أن لا يجب عقلا ثواب المطيع ولا عقاب العاصي.
وفيه نظر: أولا أنه لا دخل لقوله ” ولا يجوز ” الخ في بطلان الاحباط، بل مؤيد له، وثانيا عدم ذكر بطلان ارتفاعهما وثالثا النقض بايجاد المعدوم، وبالعكس وبطريان الضد كما قيل، ورابعا الحل بأنه لا يجوز رجحان علة الثاني والطاري على الباقي الاول، وخامسا لا شك في إحباط الكفر بالايمان، وبالعكس، وهو صريح القرآن والاخبار، ونقل عليه الاجماع، بل يوجد الاحباط مطلقا فيهما وسادسا أن هذا بالحقيقة بطلان استحقاق الثواب والعقاب، لا الاحباط فتأمل، و سابعا أن المخلص ليس بمخلص، فانه ليس بابطال الاحباط، لانه إنما هو على
(1) الاحباط بطلان ثواب الحسنات، والتكفير بطلان عقاب السيئات.