زبدة البیان فی احکام القرآن-ج1-ص113
الارض والفراش مفعولا جعل، والسماء والبناء عطف عليهما، و ” من ” الاولى ابتدائية، والثانية تبعيضية، ويكون الرزق حينئذ حالا أو مفعولا له، أي حالكونه رزقا، أو ليكون رزقا ومرزوقا لكم، أو بيانية مقدمة على المبين، و هو الرزق كما يقال أنفقت من الدراهم ألفا وأنزل عطف على جعل، وماء مفعوله وأخرج عطف عليه، ورزقا مفعوله، وضمير به راجع إلى الماء، ولكم صفة رزقا والفاء في ” فلا ” للتفريع إما على اعبدوا، أو على لعل، أو على الذي خلقكم و ” أندادا ” مفعول فلا تجعلوا، وأنتم تعلمون جملة حالية من فاعل ” فلا تجعلوا ” ومفعوله إما محذوف، أو مقدر وهو أنه لا يقدر على مثل هذه الافعال غيره تعالى أو أنه لا ند له.
وأما اللغة فالفراش هو البساط، والبناء هو المبني وهو هنا قبة وفي الاصل أعم من أن يكون بيتا أو قبة كذا في الكشاف، والند المثل الذي يكون ضدا.
وأما المعنى فباعتبار ضمها إلى الاولى هو الامر بعبادة الله الموصوف بالصفات المذكورة، والنهي عن الاشراك به، والاشارة إلى قطع عذرهم بالجهل، لعدم القدرة، ولعدم ما يوصلهم إليه لوجود العلم والتمييز فيهم، ووجود ما يوصلهم من خلق هذه المذكورات الذي لا يقدر عليه غيره، سيما الضد الذي يجعلونه شريكا له، وقائما مقامه من الاصنام، فانها لا تقدر على شئ ولا تنفع ولا تضر.
وأما الاحكام المستنبطة منها، فهي إباحة السكون في أي جزء كان من الارض على أي وجه أراد، والصلاة فيه، وسائر العبادات كذلك، وطهارتها أيضا، و استعمال الماء في أي شئ كان على أي وجه اتفق، وطهارته، بل طهوريته أيضا لانها من جملة انتفاعاته المتعارفة المطلوبة منه ومقام الامتنان يعم جميع ذلك مع إباحة جميع الثمرات المخرجة به للرزق، وقيل: الثمرة أعم من المطعوم والملبوس والرزق أعم من المأكول والمشروب، وفيه تأمل إذ الثمرة المخرجة هي الرزق لا غير، فما ذكر أنها أعم من الملبوس غير ظاهر حقيقة، ولكنه لا يبعد شمولها