فقه القرآن-ج1-ص345
تكون فتنة ويكون الدين كله لله ) ( 1 ) فأى اكراه أعظم من أن يؤمر بالقتال حتى يسلم ؟ .
قلنا : لكل واحد من الايتين وجها حسنا ومعنى لا يناقض معنى الاخر ، فان معنى قوله ( لا اكراه في الدين ) أي لم يجز الله امر الايمان على القسر والاجبار ولكن على التمكن والاختيار ، ونحوه قوله تعالى ( ولو شاء ربك لامن من في الارض جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) ( 2 ) .
وهذه المشية أيضا مشية القسر والالجاء .
وحرف الاستفهام انما أورده اعلاما بأن الاكراه ممكن ، وانما الشأن في المكره من هو وما هو الا هو تعالى وحده لانه هو القادر على أن يفعل في قلوبهمما يضطرون عنده إلى الايمان .
وأما قوله ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ) أي شرك ، ويكون الدين لله خالصا أمر تعالى لعزة الاسلام باذلال اهل الكفر حتى تجري الشريعة على ما يرضاها الله ظاهرة وأفعال الجوارح لا مدخل لها في أن تكون من حدود الدين والايمان ، وانما هي رتبة وحلية للمؤمن المتدين على أن الكفار لا يرضون رأسا برأس ، فانهم لما عجزوا عن الغلبة بالحجة طلبوا بوار الاسلام والمسلمين بالقهر والغلبة بالقوة ، فأمر الله بمجاهدتم ليذعنوا للاسلام ( فان انتهوا فلا عدوان الا على القوم الظالمين ) ( 3 ) .
والمعنى ان امتنعوا من الكفر وانقادوا فلا قتل الا على الكافرين المقيمين على الكفر .
وسمي القتل عدوانا مجازا من حيث كان عقوبة على العدوان والظلم ، وسمي جزاء الظالمين ظلما للمشاكلة ، أي ان تعرضتم لهم بعد الانتهاء كنتم ظالمين فيسلط عليكم من يعدو عليكم ، وقال في موضع آخر ( ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ) ( 4 ) .
( 1 ) سورة الانفال : 39 .
( 2 ) سورة يونس : 99 .
( 3 ) سورة البقرة : 193 .
( 4 ) سورة الانفال 38 .