فقه القرآن-ج1-ص278
فان قيل : ثم للترتيب متراخيا ، فما معنى الترتيب بين قوله ( واذكروا الله عند المشعر الحرام ) وبين قوله ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) ، ولا خلاف أن الوقوف بعرفات مقدم على الوقوف بالمشعر .
قلنا : هذا يوجب الترتيب في الاخبار بهما لا بالعمل فيهما ، ونحوه قوله تعالى ( ثم كان من الذين آمنوا ) ( 1 ) بعد قوله ( أو اطعام في يوم ذي مسغبة ) ( 2 ) ، ولا خلاف ان الايمان يجب أن يكون قبل الاطعام .
وقد روى أصحابنا أن ههنا تقديما وتأخيرا ، وتقديره ، ليس عليكم جناح ان تبتغوا فضلا من ربكم ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس وإذا افضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واستغفروا الله ان الله غفور رحيم ( 3 ) .
وأجاب المتأولون بأن قالوا : رتبت الافاضة بعد المعنى الذي دل الكلام الاول عليه ، كأنه قيل احرموا بالحج على ما بين لكم ثم افيضوا يا معشر قريش منحيث أفاض الناس بعد الوقوف بعرفة .
وهذا قريب مما قلناه ، وانما عدل من تأوله على الافاضة من مزدلفة لانه رآه بعد قوله ( فإذا أفضتم من عرفات ) قال : فأمروا ان يفيضوا من المزدلفة يوم الوقوف بها كما أمروا بعرفة .
وما قدمناه هو التأويل المختار .
فإذا اصبح يوم النحر صلى الفجر ووقف للدعاء بالمشعر إلى طلوع الشمس ، ثم يفيض إلى منى لاداء المناسك بها كما بينها رسول الله ، لقوله ( وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ) .
( 1 ) سورة البلد : 14 – 17 .
( 2 ) سغب الرجل – بكسر الغين – جاع ، ويوم ذو مسغبة أي ذو المجاعة – لسان العرب ( سغب ) .
( 3 ) انظر في ذلك مجمع البيان 1 / 296