فقه القرآن-ج1-ص22
فيقال : ان هذا غير صحيح ، لانه لا يجوز ان يقول القائل ( اضرب زيدا وعمرا واكرم بكرا وخالدا ) ، ويريد بنصب خالدا العطف على زيدا وعمرا المضروبين لان ذلك خروج عن فصاحة الكلام ودخول في معنى اللغز ، فان اكرم المأمور خالدا فيكون ممتثلا لامره معذورا عند العقلاء ، وان ضربه كان ملوما عندهم .
وهذا مما لا محيص عنه .
على أن الكلام متى حصل فيه عاملان – قريب وبعيد – لا يجوز اعمال البعيددون القريب مع صحة حمله عليه .
وبمثله ورد القرآن وفصيح الشعر : قال تعالى ( وانهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله احدا ) ( 1 ) ، ولو أعمل الاول لقال ( كما ظننتموه ) .
وقال ( آتونى أفرغ عليه قطرا ) ( 2 ) ، ولو أعمل الاول لقال ( أفرغه ) .
وقال ( هاؤم اقرأوا كتابيه ) ( 3 ) ، ولو اعمل الاول لقال ( هاؤم اقرأوه ) ، واليه ذهب البصريون .
فأما من يختار اعمال الاول من الكوفيين فانه لا يجيز ذلك في مثل الموضع الذي نحن فيه ، وليس قوى امرئ القيس : فلو أن ما أسعى لادنى معيشة
كفانى ولم أطلب قليل من المال من قبيل ما نحن بصدده ، إذ لم يوجه فيه الفعل [ الثاني ] ( 4 ) إلى ما وجه إليه الاول ، وانما اعمل الاول لانه لم يجعل القليل مطلوبا ، وانما كان المطلوب عنده الملك وجعل القليل كافيا ، ولو لم يرد هذا ونصب لفسد المعنى .
وعلى هذا يعمل الاقرب أبدا ، أنشد سيبويه قول طفيل :
جرى فوقها فاستشعرت لون مذهب
( 5 )
( 1 ) سورة الجن : 7 .
( 2 ) سورة الكهف : 96 .
( 3 ) سورة الحاقة : 19 .
( 4 ) الزيادة من ج .
( 5 ) من بيت لطفيل بن عوف بن ضبيس الغنوى ، وصدره ( وكمتا مدماة كأن متونها ) .