بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج2-ص386
حقه ، فأحرى أن يحكم بما هو عنده يقين .
وخصص أبو حنيفة وأصحابه ما يحكم فيه الحاكم بعلمه فقالوا : لا يقضي بعلمه في الحد ويقضي في غير ذلك ، وخصص أيضا أبو حنيفة العلم الذي يقضي به فقال : يقضي بعلمه الذي علمه في القضاء ، ولا يقضي بما علمه قبل القضاء .
وروي عن عمر أنه قضى بعلمه على أبي سفيان لرجل من بني مخزوم .
وقال بعض أصحاب مالك : يقضي بعلمه في المجلس أعني بما يسمع وإن لم يشهد عنده بذلك ، وهو قول الجمهور كما قلنا ، وقول المغيرة هو أجرى على الاصول ، لان الاصل في هذه الشريعة لا يقضي إلا بدليل وإن كانت غلبة الظن الواقعة به أقوى من الظن الواقع بصدق الشاهدين .
الفصل الرابع : في الاقرار
وأما الاقرار إذا كان بينا فلا خلاف في وجوب الحكم به ، وإنما النظر فيمن يجوز إقراره ممن لا يجوز .
وإذا كان الاقرار محتملا رفع الخلاف .
أما من يجوز إقراره ممن لا يجوز فقد تقدم .
وأما عدد الاقرارات الموجبة فقد تقدم في باب الحدود ، ولا خلاف بينهم أن الاقرار مرة واحدة عامل في المال .
وأما المسائل التي اختلفوا فيها من ذلك فهو من قبل احتمال اللفظ ، وأنت إن أحببت أن تقف عليه فمن كتب الفروع .
الباب الرابع : في معرفة من يقضى عليه أو له وأما على من يقضى ولمن يقضي ؟ فإن الفقهاء اتفقوا على أنه يقضي لمن ليس يتهم عليه .
واختلفوا في قضائه لمن يتهم عليه .
فقال مالك : لا يجوز قضاؤه على من لا تجوز عليه شهادته .
وقال قوم : يجوز لان القضاء يكون بأسباب معلومة وليس كذلك الشهادة .
وأما على من يقضى ؟ فإنهم اتفقوا على أنه يقضى على المسلم الحاضر .
واختلفوا في الغائب وفي القضاء على أهل الكتاب .
فأما القضاء على الغائب ، فإن مالكا والشافعي قالا : يقضى على الغائب البعيد الغيبة ، وقال أبو حنيفة : لا يقضي على الغائب أصلا ، وبه قال ابن الماجشون ، وقد قيل عن مالك لا يقضي في الرباع المستحقة .
فعمدة من رأى القضاء حديث هند المتقدم ولا حجة فيه ، لانه لم يكن غائبا عن المصر .
وعمدة من لم ير القضاء قوله عليه الصلاة والسلام : فإنما أقضي له بحسب ما أسمع وما رواه أبو داود وغيره عن علي أن النبي ( ص ) قال له حين أرسله إلى اليمين لا تقض لاحد الخصمين حتى تسمع من الآخر وأما الحكم على الذمي ، فإن في ذلك ثلاثة أقوال : أحدها : أنه يقضي بينهم إذا ترافعوا إليه بحكم المسلمين ، وهو مذهب أبي حنيفة .
والثاني : أنه مخير ، وبه قال مالك ، وعن الشافعي القولان ، والثالث : أنه واجب على الامام أن يحكم بينهم وأن لم يتحاكموا إليه .
فعمدة من اشترط مجيئهم للحاكم قوله تعالى :
( فإن جاءوك فاحكم بينه