بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج2-ص381
سواه إذا كان الاب عدلا .
وعمدتهم قوله تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالو الاقربين )
والامر بالشئ يقتضي إجزاء المأمور به إلا ما خصصه الاجماع من شهاد المرء لنفسه .
وأما من طريق النظر ، فإن لهم أن يقولون رد الشهادة بالجملة إنما هو لموضع اتهام الكذب ، وهذه التهمة إنما اعتملها الشرع في الفاسق ومنع إعمالها في العادل ، فلا تجتمع مع التهمة .
أما النظر في العدد والجنس ، فإن المسلمين اتفقوا على أنه لا يثبت الزنا بأقل من أربعة عدول ذكور ، واتفقوا على أنه تثبت جميع الحقوق ما عدا الزنا بشاهدين عدلين ذكرين ما خلا الحسن البصري ، فإنه قال : لا تقبل بأقل من أربعة شهداء تشبيها بالرجم ، وهذا ضعيف لقوله سبحانه :
( واستشهدوا شهيدين من رجالكم)
وكل متفق أن الحكم يجب بالشاهدين غير يمين المدعي ، إلا ابن أبي ليلى فإنه قال : لا بد من يمينه .
واتفقوا على أنه تثبت الاموال بشاهد عدل ذكر وامرأتين لقوله تعالى :
( فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء)
واختلفوا في قبولهما في الحدود ، فالذي عليه الجمهور أنه لا تقبل شهادة النساء في الحدود لا مع رجل ولا مفردات ، وقال أهل الظاهر : تقبل إذا كان معهن رجل وكان النساء أكثر من واحدة في كل شئ على ظاهر الآية ، وقال أبو حنيفة : تقبل في الاموال وفيما عدا الحدود من أحكام الابدان مثل الطلاق والرجعة والنكاح والعتق ، ولا تقبل عند مالك في حكم من أحكام البدن .
واختلف أصحاب مالك في قبولهن في حقوق الابدان المتعلقة بالمال ، مثل الوكالات والوصية التي لا تتعلق إلا بالمال فقط ، فقال مالك وابن القاسم وابن وهب : يقبل فيه شاهد وامرأتان ، وقال أشهب وابن الماجشون : لا يقبل فيه إلا رجلان .
وأما شهادة النساء مفردات ، أعنى النساء دون الرجال فهي مقبولة عند الجمهور في حقوق الابدان التي لا يطلع عليها الرجال غالبا مثل الولادة والاستهلال وعيوب النساء .
ولا خلاف في شئ من هذا إلا في الرضاع ، فإن أبا حنيفة قال : لا تقبل فيه شهادتهن إلا مع الرجال ، لانه عنده من حقوق الابدان التي يطلع عليها الرجال والنساء .
والذين قالوا بجواز شهادتهن مفردات في هذا الجنس اختلفوا في العدد المشترط في ذلك منهن ، فقال مالك : يكفي في ذلك امرأتان ، قيل مع انتشار الامر ، وقيل إن لم ينتشر ، وقال الشافعي : ليس يكفي في ذلك أقل من أربع .
لان الله عزوجل قد جعل عديل الشاهد الواحد امرأتين ، واشترط الاثنينية ، وقال قوم : لا يكفي بذلك بأقل من ثلاث وهوقول لا معنى له ، وأجاز أبو حنيفة شهادة المرأة فيما بين السرة والركبة ، وأحسب أن الظاهرية أو بعضهم لا يجيزون شهادة النساء مفردات في كل شئ كما يجيزون م