بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج2-ص379
الفقهاء ، والجمهور أن الفرقة ههنا إنما وقعت عقوبة للعلم بأن أحدهما كاذب .
الباب الثالث : فيما يكون به القضاء والقضاء يكون بأربع : بالشهادة ، وباليمين ، وبالنكول ، وبالاقرار ، أو بما تركب من هذه ، ففي هذا الباب أربعة فصول .
الفصل الاول : في الشهادة
والنظر في الشهود في ثلاثة أشياء : في الصفة ، والجنس والعدد .
فأما عدد الصفات المعتبرة في قبول الشاهد بالجملة فهي خمسة : العدالة ، والبلوغ ، والاسلام ، والحرية ، ونفي التهمة .
وهذه منها متفق عليها ، ومنها مختلف فيها .
أما العدالة ، فإن المسلمين اتفقوا على اشتراطها في قبول شهادة الشاهد لقوله تعالى :
( ممن ترضون من الشهداء)
ولقوله تعالى :
( وأشهدوا ذوي عدل منكم)
واختلفوا فيما هي العدالة ، فقال الجمهور : هي صفة زائدة على الاسلام ، هو أن يكون ملتزما لواجبات الشرع ومستحباته ، مجتنبا للمحرمات والمكروهات ، وقال أبو حنيفة : يكفي في العدالة ظاهر الاسلام ، وأن لا تعلم منه جرحة .
وسبب الخلاف : كما قلنا ترددهم في مفهوم اسم العدالة المقابلة للفسق .
وذلك أنهم اتفقوا على أن شهادة الفاسق لا تقبل لقوله تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ)
الآية .
ولم يختلفوا أن الفاسق تقبل شهادته إذا عرفت توبته ، إلا من كان فسقه من قبل القذف ، فإن أبا حنيفة يقول : لا تقبل شهادته وإن تاب .
والجمهور يقولون : تقبل .
وسبب الخلاف : هل يعود الاستثناء في قوله تعالى :
( ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك )
إلى أقرب مذكور إليه ، أو على الجملة إلا ما خصصه الاجماع ، وهو أن التوبة لا تسقط عنه الحد ، وقد تقدم هذا .
وأما البلوغ فإنهم اتفقوا على أنه يشترط حيث تشترط العدالة .
واختلفوا في شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح وفي القتل ، فردها جمهور فقهاء الامصار لما قلناه من وقوع الاجماع على أن من شرط الشهادة العدالة ، ومن شرط العدالة البلوغ ، ولذلك ليست في الحقيقة شهادة عند مالك ، وإنما هي قرينة حال .
ولذلك اشترط فيها أن لا يتفرقوا لئلا يجبنوا .
واختلف أصحاب مالك هل تجوز إذا كان بينهم كبير أم لا ؟ ولم يختلفوا أنه يشترط فيها العدة المشترطة في الشهادة ، واختلفوا هل يشترط فيها الذكورة أم لا ؟ واختلفوا أيضا هل تجوز في القتل الواقع بينهم ؟ ولا عمدة لمالك في هذا إلا أنه م