بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج2-ص364
المقذوف الستر على نفسه ، وهو المشهور عنه .
والسبب في اختلافهم : هل هو حق لله ، أو حق للآدميين ، أو حق لكليهما ؟ فمن قال حق لله لم يجز العفو كالزنا ، ومن قال حق للآدميين أجاز العفو ، ومن قال لكليهما وغلب حق الامام إذا وصل إليه قال بالفرق بين أن يصل الامام أو لا يصل ، وقياسا على الاثر الوارد في السرقة .
وعمدة من رأى أنه حق للآدميين وهو الاظهر أن المقذوف إذا صدقه فيما قذفه به سقط عنه الحد .
وأما من يقيم الحد ؟ فلا خلاف أن الامام يقيمة في القذف .
واتفقوا على أنه يجب على القاذف مع الحد سقوط شهادته ما لم يتب .
واختلفوا إذا تاب ، فقال مالك : تجوز شهادته ، وبه قال الشافعي ، وقال أبو حنيفة : لا تجوز شهادته أبدا .
والسبب في اختلافهم : هل الاستثناء يعود إلى الجملة المتقدمة أو يعود إلى أقرب مذكور .
وذلك في قوله تعالى :
( ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا )
فمن قال يعود إلى أقرب مذكور قال : التوبة ترفع الفسق ولا تقبل شهادته ، ومن رأى أن الاستثناء يتناول الامرين جميعا قال : التوبة ترفع الفسق ، ورد الشهادة .
وكون ارتفاع الفسق مع رد الشهادة أمر غير مناسب في الشرع : أي خارج عن الاصول ، لان الفسق متى ارتفع قبلت الشهادة .
واتفقوا على أن التوبة لا ترفع الحد .
وأما بماذا يثبت ؟ فإنهم اتفقوا على أنه يثبت بشاهدين عدلين حرين ذكرين .
واختلف في مذهب مالك : هل يثبت بشاهد ويمين وبشهادة النساء ؟ وهل تلزم في الدعوى فيه يمين ؟ وإن نكل فهل يحد بالنكول ويمين المدعي ؟ فهذه هي أصول هذا الباب التي تبنى عليه فروعه .
قال القاضي : وإن أنسأ الله في العمر فسنضع كتابا في الفروع على مذهب مالك بن أنس مرتبا ترتيبا صناعيا ، إذ كان المذهب المعمول به في هذه الجزيرة ، التي هي جزيرة الاندلس حتي يكون به القارئ مجتهدا في مذهب مالك ، لان إحصاء جميع الروايات عندي شئ ينقطع العمر دونه .
باب : في شرب الخمر والكلام في هذه الجناية : في الموجب ، والواجب ، وبماذا تثبت هذه الجناية ؟ فأماالموجب ، فاتفقوا على أنه شرب الخمر دون إكراه قليلها وكثيرهم .
واختلفوا في المسكرات من غيرها ، فقال أهل الحجاز : حكمها حكم الخمر في تحريمها وإيجاب الحد من شربها ، قليلا كان أو كثيرا ، أسكر أو لم يسكر ، وقال أهل العراق : المحرم منها هو السكر ، وهو الذي يوجب الحد .
وقد ذكرنا عمدة أدلة الفريقين في كتاب الاطعمة والاشربة .
وأما الواجب فهو الحد والتفسيق إلا أن تكون التوبة ، والتفسيق في شارب الخمر باتفاق وإن لم يبلغ حد السكر ، وفيمن بلغ حد السكر فيما سوى الخمر واختلف الذين رأوا تحريم قليل الانبذة في وجوب الحد ، وأكثر هؤلاء على وجوبه ، إلا أنهم اختلفوا في مقدار الحد الواجب ، فقال الجمهور : الحد في ذلك