بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج2-ص326
ماله .
فعمدة الفريق الاول ما روي من حديث علي أنه سأله قيس بن عبادة والاشتر هل عهد إليه رسول الله ( ص ) عهدا لم يعهده إلى الناس قال : لا ، إلا ما في كتابي هذا ، وأخرج كتابا من قراب سيفه فإذا فيه : المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم .
ألا لا يقتل مؤمن بكافر ، ولا ذو عهد في عهده ، من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خرجه أبو داود .
وروي أيضا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي ( ص ) قال : لا يقتل مؤمن بكافر واحتجوا في ذلك بإجماعهم على أنه لا يقتل مسلم بالحربي الذي أمن .
وأما أصحاب أبي حنيفة فاعتمدوا في ذلك آثار منها حديث يرويه ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الرحمن السلماني قال : قتل رسول الله ( ص ) رجلا من أهل القبلبرجل من أهل الذمة وقال : أنا أحق من وفى بعهده ورووا ذلك عن عمر ، قالوا : وهذا مخصص لعموم قوله عليه الصلاة والسلام : لا يقتل مؤمن بكافر أي أنه أريد بالكافر الحربي دون الكافر المعاهد ، وضعف أهل الحديث حديث عبد الرحمن السلماني وما رووا من ذلك عن عمر .
وأما من طريق القياس فإنهم اعتمدوا على إجماع المسلمين في أن يد المسلم تقطع إذا سرق من مال الذمي ، قالوا : فإذا كانت حرمة ماله كحرمة مال المسلم فحرمة دمه كحرمة دمه .
فسبب الخلاف : تعارض الآثار والقياس .
وأما قتل الجماعة بالواحد ، فإن جمهور فقهاء الامصار قالوا تقتل الجماعة بالواحد ، منهم مالك وأبو حنيفة والشافعي والثوري وأحمد وأبو ثور وغيرهم ، سواء كثرت الجماعة أو قلت ، وبه قال عمر ، حتى روي أنه قال : لو تمالا عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا .
وقال داود وأهل الظاهر لا تقتل الجماعة بالواحد ، وهو قول ابن الزبير ، وبه قال الزهري ، وروي عن جابر .
وكذلك عند هذه الطائفة لا تقطع أيد بيد ، أعني إذا اشترك اثنان فما فوق ذلك في قطع يد ، وقال مالك والشافعي : تقطع الايدي باليد ، وفرقت الحنفية بين النفس والاطراف فقالوا : تقتل الانفس بالنفس ، ولا يقطع بالطرف إلا طرف واحد ، وسيأتي هذا في باب القصاص من الاعضاء .
فعمدة من قتل بالواحد الجماعة النظر إلى المصلحة ، فإنه مفهوم أن القتل إنما شرع لنفي القتل كما نبه عليه الكتاب في قوله تعالى :
( ولكم في القصاص حياة يا أولي الالباب)
وإذا كان ذلك كذلك فلو لم تقتل الجماعة بالواحد لتذرع الناس إلى القتل بأن يتعمدوا قتل الواحد بالجماعة ، ولكن للمعترض أن يقول : إن هذا إنما كان يلزم لو لميقتل من الجماعة أحد ، فأما إقتل منهم واحد وهو الذي من قتله يظن إتلاف النفس غالبا على الظن ، فليس يلزم أن يبطل الحد حتى يكون سببا للتسليط على إذهاب