بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج2-ص315
اختلافهم إذا مات المكاتب وعليه دين وبعض الكتابة هل يحاص سيده الغرماء أم لا ؟ فقال الجمهور : لا يحاص الغرماء ، وقاشريح وابن أبي ليلى : يضرب السيد مع الغرماء .
وكذلك اختلفوا إذا أفلس وعليه دين يستغرق ما بيده ، هل يتعدى ذلك إلى رقبته ؟ فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة : لا سبيل لهم إلى رقبته ، وقال الثوري وأحمد : يأخذونه إلا أن يفتكه السيد .
واتفقوا على أنه إذا عجز عن عقل الجنايات أنه يسلم فيها إلا أن يعقل عنه سيده ، والقول في هل يحاص سيده الغرماء أو لا يحاص هو من كتاب التفليس ، والقول في جنايته هو من باب الجنايات .
ومن مسائل الاقضية التي هي فروع في هذا الباب وأصل في باب الاقضية اختلافهم في الحكم عند اختلاف السيد والمكاتب في مال الكتابة ، فقال مالك وأبو حنيفة : القول قول المكاتب ، وقال الشافعي ومحمد وأبو يوسف يتحالفان ويتفاسخان قياسا على المتبايعين وفروع هذا الباب كثيرة ، لكن الذي حضر منها الآن في الذكر هو ما ذكرناه ، ومن وقعت له من هذا الباب مسائل مشهورة الخلاف بين فقهاء الامصار وهي قريبة من المسموع ، فينبغي أن تثبت في هذا الموضع إذ كان القصد إنما هو إثبات المسائل المشهورة التى وقع الخلاف فيها بين فقهاء الامصار مع المسائل المنطوق بها في الشرع وذلك أن قصدنا في هذا الكتاب كما قلنا غير مرة : إنما هو أن نثبت المسائل المنطوق بها في الشرع المتفق عليها والمختلف فيها ، ونذكر منالمسائل المسكوت عنها التي شهر الخلاف فيها بين فقهاء الامصار ، فإن معرفة هذين الصنفين من المسائل هي التي تجري للمجتهد مجرى الاصول في المسكوت عنها وفي النوازل التي لم يشتهر الخلاف فيها بين فقهاء الامصار سواء نقل فيها مذهب عن واحد منهم أو لم ينقل ، ويشبه أن يكون من تدرب في هذه المسائل وفهم أصول الاسباب التي أوجبت خلاف الفقهاء فيها أن يقول ما يجب في نازلة من النوازل ، أعني أن يكون الجواب فيها على مذهب فقيه من فقهاء الامصار ، أعني في المسألة الواحدة بعينها ، ويعلم حيث خالف ذلك الفقيه أصله وحيث لم يخالف ، وذلك إذا نقل عنه في ذلك فتوى .
فأما إذا لم ينقل عنه في ذلك فنوى أو لم يبلغ ذلك الناظر في هذه الاصول فيمكنه أن يأتي بالجواب بحسب أصول الفقيه الذي يفتي على مذهبه ، وبحسب الحق الذي يؤديه إليه اجتهاده ، ونحن نروم إن شاء الله بعد فراغنا من هذا الكتاب أن نضع في مذهب مالك كتابا جامعا لاصول مذهبه ومسائله المشهورة التي تجري في مذهبه مجرى الاصول للتفريع عليها ، وهذا هو الذي عمله ابن القاسم في المدونة ، فإن جاوب فيما لم يكن عنده فيها قول مالك على قياس ما كان عنده في ذلك الجنس من مسائل مالك التي هي فيها جارية مجرى الاصول لما جبل عليه الناس من الاتباع والتقليد في الاحكام والفتوى ، بيد أن في قوة هذا الكتاب أن يبلغ به الانسان كما قلنا رتبة الاجتهاد إذا تقدم ، فعلم من اللغة العربية وعلم من أصول الفقه ما يكفيه في ذلك ، ولذلك رأينا أن أخص الاسماء بهذا الكتاب أن نسميه كتاب : ( بداية المجتهد وكفاية المقتصد )