بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج2-ص288
وأبو حنيفة وأبو ثور والثوري وداود وغيرهم : الكفار كلهم يتوارثون ، وكان شريح وابن أبي ليلى وجماعة يجعلون الملل التي لا تتوارث ثلاثا : النصارى واليهود والصابئين ملة ، والمجوس ومن لا كتاب له ملة ، والاسلام ملة .
وقد روي عن ابن أبي ليلى مثل قول مالك .
وعمدة مالك ومن قال بقوله ما روى الثقات عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي ( ص ) قال : لا يتوارث أهل ملتين ، وعمدة الشافعية والحنفية قوله عليه الصلاة والسلام : لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم وذلك أن المفهوم من هذا بدليل الخطاب أن المسلم يرث المسلم والكافر يرث الكافر .
والقول بدليل الخطاب فيه ضعف وخاصة هنا .
واختلفوا في توريث الحملاء ، والحملاء هم الذين يتحملون بأولادهم من بلاد الشرك إلى بلاد الاسلام وهم يدعون الولادة الموجبة للنسب ، وذلك على ثلاثة أقوال : قول إنهم يتوارثون بما يدعون من النسب ، وهو قول جماعة من التابعين وإليه ذهب إسحاق .
وقول إنهم لا يتوارثون إلا ببينة تشهد على أنسابهم ، وبه قال شريح والحسن وجماعة .
وقول إنهم لا يتوارثون أصلا وروي عن عمر الثلاثة الاقوال ، إلا أن الاشهر عنه أنه كان لا يورث إلامن ولد في بلاد العرب وهو قول عثمان وعمر بن عبد العزيز .
وأما مالك وأصحابه فاختلف في ذلك قولهم ، فمنهم من رأى أن لا يورثون إلا ببينة ، وهو قول ابن القاسم : ومنهم من رأى أن لا يورثون أصلا ولا بالبينة العادلة ، وممن قال بهذا القول من أصحاب مالك عبد الملك ابن الماجشون ، وروى ابن القاسم عن مالك في أهل حصن نزلوا على حكم الاسلام ، فشهد بعضهم لبعض أنهم يتوارثون ، وهذا يتخرج منه أنهم يتوارثون بلا بينة .
لان مالكا لا يجوز شهادة الكفار بعضهم على بعض قال : فأما إن سبوا فلا يقبل قولهم في ذلك .
وبنحو هذا التفصيل قال الكوفيون والشافعي وأحمد وأبو ثور ، وذلك أنهم قالوا : إن خرجوا إلى بلاد الاسلام وليس لاحد عليهم يد قبلت دعواهم في أنسابهم ، وأما إن أدركهم السبي والرق فلا يقبل قولهم إلا ببينة .
ففي المسألة أربعة أقوال : اثنان طرفان ، واثنان مفرقان .
وجمهور العلماء من فقهاء الامصار ومن الصحابة علي وزيد وعمر أن من لا يرث لا يحجب مثل الكافر والمملوك والقاتل عمدا ، وكان ابن مسعود يحجب بهؤلاء الثلاثة دون أن يورثهم أعني بأهل الكتاب وبالعبيد وبالقاتلين عمدا ، وبه قال داود وأبو ثور .
وعمدة الجمهور أن الحجب في معنى الارث وأنهما متلازمان .
وحجة الطائفة الثانية أن الحجب لا يرتفع إلا بالموت .
واختلف العلماء في الذين يفقدون في حرب أو غرق أو هدم ولا يدرى من مات منهم قبل صاحبه كيف يتوارثون إذا كانوا أهل ميراث ؟ فذهب مالك وأهل المدينة إلى أنهم لا يورث بعضهم من بعض ، وأن ميراثهم جميعا لمن بقي من قرابتهم الوارثين أو لبيت المال إن لم تكن لهم قرابة ترث ، وبه قال الشافعيوأبو حنيفة وأصحابه فيما حكى عنه الطحاوي .
وذهب علي وعمر ( رضي الله عنهما ) وأهل الكوفة وأبو حنيفة – فيما ذكر غير الطحاوي عنه – وجمهور البصريين إلى أنهم يتوارثون وصفة