بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج2-ص275
المال ، وإذا وصى فعند مالك يلزم الورثة إخراجها وهي عنده من الثلث ، وهي عند الشافعي في الوجهين من رأس المال شبهها بالدين لقول رسول الله ( ص ) : فدين الله أحق أن يقضى وكذلك الكفارات الواجبة والحج الواجب عنده ، ومالك يجعلها من جنس الوصايا بالتوصية بإخراجها بعد الموت ، ولا خلاف أنه لو أخرجها في الحياة أنها من رأس المال ولو كان في السياق ، وكأن مالكا اتهمه هنا على الورثة ، أعني في توصيته بإخراجها ، قال : ولو أجيز هذا لجاز للانسان أن يؤخر جميع زكاته طول عمره حتى إذا دنا من الموت وصى بها فإذا زاحمت الوصايا الزكاة قدمت عند مالك على ما هو أضعف منها ، وقال أبو حنيفة : هي وسائر الوصايا سواء ، يريد في المحاصة .
واتفق مالك وجميع أصحابه على أن الوصايا التي يضيق عنها الثلث إذا كانت مستوية أنها تتحاص في الثلث ، وإذا كان بعضها أهم من بعض قدم الاهم .
واختلفوا في الترتيب على ما هو مسطور في كتبهم ، ومن مسائلهم الحسابية المشهورة في هذا الباب إذا أوصى لرجل بنصف ماله ولآخر بثلثيه ورد الورثة الزائد ، فعند مالك والشافعي أنهما يقتسمان الثلث بينهما أخماسا ، وقال أبو حنيفة : بل يقتسمان الثلث بالسوية .
وسبب الخلاف : هل الزائد على الثلث الساقط هل يسقط الاعتبار به في القسمة كما يسقط في نفسه بإسقاط الورثة ؟ فمن قال يبطل في نفيه ولا يبطل الاعتبار به في القسمة إذ كان مشاعا قال : يقتسمون المال أخماسا ، ومن قال يبطل الاعتبار به كما لو كان معينا قال : يقتسمون الباقي على السواء .
ومن مسائلهم اللفظية في هذا الباب إذا أوصى بجزء من ماله يعلم به ومال لا يعلم به ، فعند مالك أن الوصية تكون فيما علم به دون ما لم يعلم ، وعند الشافعي تكون في المالين .
وسبب الخلاف : هل اسم المال الذي نطق به يتضمن ما علم وما لم يعلم ، أو ما علم فقط ؟ والمشهور عن مالك أن المدبر يكون في المالين إذا لم يخرج من المال الذي يعلم .
وفي هذا الباب فروع كثيرة وكلها راجعة إلى هذه الثلاثة الاجناس ، ولا خلاف بينهم أن للرجل أن يوصي بعد موته بأولاده وأن هذه خلافة جزئية كالخلافة العظمى الكلية التي للامام أن يوصي بها .