بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج2-ص273
الوصية للقائل خطأ وعمدا في هذا الباب فرع مشهور ، وهو إذا أذن الورثة للميت هل لهم أن يرجعوا في ذلك بعد موته ؟ فقيل لهم ، وقيل ليس لهم ، وقيل بالفرق بين أن يكون الورثة في عيال الميت أو لا يكونوا ، أعني أنهم إن كانوا في عياله كان لهم الرجوع ، والثلاثة الاقوال في المذهب .
القول في الموصى به
والنظر في جنسه وقدره أما جنسه فإنهم اتفقوا على جواز الوصية في الرقاب ، واختلفوا في المنافع فقال جمهور فقهاء الامصار : ذلك جائز ، وقال ابن أبي ليلى وابن شبرمة وأهل الظاهر : الوصية بالمنافع باطلة .
وعمدة الجمهور أن المنافع في معنى الاموال ، وعمدة الطائفة الثانية أن المنافع منتقلة إلى ملك الورثة ، لان الميت لا ملك له فلا تصح له وصية بما يوجد في ملك غيره ، وإلى هذا القول ذهب أبو عمر بن عبد البر .
وأما القدر فإن العلماء اتفقوا على أنه لا تجوز الوصية في أكثر من الثلث لمن ترك ورثة .
واختلفوا فيمن لم يترك ورثة ، وفي القدر المستحب منها ، هل هو الثلث أو دونه ؟ وإنما صار الجميع إلى أن الوصية لا تجوز في أكثر من الثلث لمن له وارث بما ثبت عنه ( ص ) أنه عاد سعد بن أبي وقاص قال له : يا رسول الله .
قد بلغ مني الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثي إلا ابنة لي ، أفأتصدق بثلثي مالي ؟ فقال له رسول الله ( ص ) : لا ، فقال له سعد : فالشطر ؟ قال : لا ، ثم قال رسول الله ( ص ) : الثلث ، والثلث كثير .
إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس فصار الناس لمكان هذا الحديث إلى أن الوصية لا تجوز بأكثر من الثلث .
واختلفوا في المستحب من ذلك ، فذهب قوم إلى أنه ما دون الثلث ، لقوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث : والثلثكثير وقال بهذا كثير من السلف .
قال قتادة : أوصى أبو بكر بالخمس ، وأوصى عمر بالربع ، والخمس أحب إلي .
وأما من ذهب إلى أن المستحب هو الثلث فإنهم اعتمدوا على ما روي عن النبي ( ص ) أنه قال : إن الله جعل لكم في الوصية ثلث أموالكم زيادة في أعمالكم وهذا الحديث ضعيف عند أهل الحديث .
وثبت عن ابن عباس أنه قال : لو غض الناس في الوصية من الثلث إلى الربع لكان أحب إلي ، لان رسول الله ( ص ) قال : الثلث ، والثلث كثير .
وأما اختلافهم في جواز الوصية بأكثر من الثلث لمن لا وارث له ، فإن مالكا لا يجيز ذلك والاوزاعي ، واختلف فيه قول أحمد ، وأجاز ذلك أبو حنيفة وإسحاق ، وهو قول ابن مسعود .
وسبب الخلاف : هل هذا الحكم خاص بالعلة التي علله بها الشارع أم ليس بخاص ، وهو أن لا يترك ورثته عالة يتكففون الناس كما قال عليه الصلاة والسلام : إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ؟ فمن جعل هذا السبب خاصا وجب أن يرتفع الحكم بارتفاع هذه العلة ، ومن جعل الحكم عبادة وإن كان قد علل بعلة ، أو جعل جميع المسلمين في هذا المعنى بمنزلة الورثة قال : لا تجوز الوصية بإطلاق بأكثر من الثلث .