بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج2-ص267
كتاب الهبات
النظر في الهبة : في أركانها ، وفي شروطها ، وفي أنواعها ، وفي أحكامها .
ونحن إنما نذكر من هذه الاجناس ما فيها من المسائل المشهورة .
فنقول : أما الاركان فهي ثلاثة : الواهب ، والموهوب له ، والهبة .
أما الواهب فإنهم اتفقوا على أنه تجوز هبته إذا كان مالكا للموهوب صحيح الملك ، وذلك إذا كان في حال الصحة وحال إطلاق اليد ، واختلفوا في حال المرض وفي حال السفه والفلس .
وأما المريض فقال الجمهور : إنها في ثلثه تشبيها بالوصية ، أعني الهبة التامة بشروطها ، وقالت طائفة من السلف وجماعة أهل الظاهر : إن هبته تخرج من رأس ماله إذا مات ، ولا خلاف بينهم أنه إذا صح من مرضه أن الهبة صحيحة .
وعمدة الجمهور حديث عمران بن حصين عن النبي عليه الصلاة والسلام : في الذي أعتق ستة أعبد عند موته ، فأمره رسول الله ( ص ) فأعتق ثلثهم وأرق الباقيوعمدة أهل الظاهر استصحاب الحال : أعني حال الاجماع ، وذلك أنهم لما اتفقوا على جواز هبته في الصحة وجب استصحاب حكم الاجماع في المرض إلا أن يدل الدليل من كتاب أو سنة بينة ، والحديث عندهم محمول على الوصية ، والامراض التي يحجر فيها عند الجمهور هي الامراض المخوفة ، وكذلك عند مالك الحالات المخوفة ، مثل الكون بين الصفين ، وقرب الحامل من وأما الامراض المزمنة فليس عندهم الوضع ، وراكب البحر المرتج ، وفيه اختلاف فيها تحجير ، وقد تقدم هذا في كتاب الحجر .
وأما السفهاء والمفلسون فلا خلاف عند من يقول بالحجر عليهم أن هبتهم غير ماضية .
وأما الموهو ب فكل شئ صح ملكه .
واتفقوا على أن للانسان أن يهب جميع ماله للاجنبي .
واختلفوا فتفضيل الرجل بعض ولده على بعض في الهبة ، أو في جميع ماله لبعضهم دون بعض ، فقال جمهور فقهاء الامصار بكراهية ذلك له ، ولكن إذا وقع عندهم جاز ، وقال أهل الظاهر : لا يجوز التفضيل فضلا عن أن يهب جميع ماله ، وقال مالك : يجوز التفضيل ولا يجوز أن يهب بعضهم جميع المال دون بعض .
ودليل أهل الظاهر حديث النعمان بن بشير ، وهو حديث متفق على صحته ، وإن كان قد اختلف في ألفاظه ، والحديث أنه قال : إن أباه بشيرا أتى به إلى رسول الله ( ص ) فقال : إني نحلت ابني هذا