پایگاه تخصصی فقه هنر

بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج2-ص253

أو تسلفا في سلعة أو ما أشبه ذلك ، فإن كانت الذمة قائمة برئ الدافع في المذهب من غير خلاف ، وإن كانت الذمة خربة فقولان .

والسبب في هذا الاختلاف كله : أن الامانة تقوي دعوى المدعي حتى يكون القول قوله مع يمينه ، فمن شبه أمانة الذي أمره المودع أن يدفعها إليه ، أعني الوكيل بأمانة المودع عنده قال : يكون القول قوله في دعواه التلف كدعوى المستودع عنده ، ومن رأى أن تلك الامانة أضعف قال : لا يبرأ الدافع بتصديق القابض مع دعوى التلف ، ومن رأى المأمور بمنزله الآمر قال : القول قول الدافع للمأمور كما كان القول قوله مع الآمر ، وهو مذهب أبي حنيفة ، ومن رأى أنه أضعف منه قال : الدافع ضامن إلا أن يحضر القابض المال ، وإذا أودعها بشرط الضمان فالجمهور على أنه لا يضمن ، وقال الغير : يضمن .

وبالجملة فالفقهاء يرون بأجمعهم أنه لا ضمان على صاحب الوديعة إلا أن يتعدى ويختلفون في أشياء هل هي تعد أم ليس بتعد ؟ فمن مسائلهم المشهورة في هذا البا ب إذا أنفق الوديعة ثم رد مثلها أو أخرجها لنفقته ثم ردها فقال مالك : يسقط عنه الضمان بحالة مثل إذا ردها ، وقال أبو حنيفة : إن ردها بعينها قبل أن ينفقها لم يضمن ، وإن رد مثلها ضمن ، وقال عبد الملك والشافعي : يضمن في الوجهين جميعا ، فمن غلظ الامر ضمنه إياها بتحريكها ونية استنفاقها ، ومن رخص لم يضمنها إذا أعاد مثلها .

ومنها اختلافهم في السفر بها ، فقال مالك : ليس له أن يسافر بها إلا أن تعطى له في سفر ، وقال أبو حنيفة : له أن يسافر بها إذا كان الطريق آمنا ولم ينهه صاحب الوديعة .

ومنها أنه ليس للمودع عنده أن يودع الوديعة غيره من غير عذر ، فإن فعل ضمن ، وقال أبو حنيفة : إن أودعها عند من تلزمه نفقته لم يضمن ، لانه شبهه بأهل بيته ، وعند مالك له أن يستودع ما أودع عند عياله الذين يأمنهم وهم تحت غلقه من زوج أو ولد أو أمة ومن أشبههم .

وبالجملة فعندالجميع أنه يجب عليه أيحفظها مما جرت به عادة الناس أن تحفظ أموالهم ، فما كان بينا من ذلك أنه حفظ اتفق عليه ، وما كان غير بين أنه حفظ اختلف فيه ، مثل اختلافهم في المذهب فيمجعل وديعة في جيبه فذهبت ، والاشهر أنه يضمن ، وعند ابن وهب أن من أودع وديعة في المسجد فجعلها على نعله فذهبت أنه لا ضمان عليه .

ويختلف في المذهب ضمانها بالنسيان مثل أن ينساها في موضع أو ينسى من دفعها إليه ، أو يدعيها رجلان ، فقيل يحلفان وتقسم بينهما ، وقيل إنه يضمن لكل واحد منهما .

وإذا أراد السفر فله عند مالك أن يودعها عند ثقة من أهل البلد ولا ضمان عليه قدر على دفعها إلى الحاكم أولم يقدر .

واختلف في ذلك أصحاب الشافعي ، فمنهم من يقول : إن أودعها لغير الحاكم ضمن ، وقبول الوديعة عند مالك لا يجب في حال ، ومن العلماء من يرى أنه واجب إذا لم يجد المودع من يودعها عنده ،