بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج2-ص225
الاستحسان الذي يذهب إليه مالك كثيرا ، فضعفه قوم وقالوا : إنه مثل استحسان أبي حنيفة ، وحددوا الاستحسان بأنه قول بغير دليل .
ومعنى الاستحسان عند مالك هو جمع بين الادلة المتعارضة ، وإذا كان ذلك كذلك فليس هو قول بغير دليل .
والجمهور على أنه لا يجوز للراهن بيع الرهن ولا هبته .
وأنه إن باعه فللمرتهن الاجازة أو الفسخ .
قال مالك : وإن زعم أن إجازته ليتعجل حقه حلف على ذلك وكان له .
وقال قوم : يجوز بيعه .
وإذا كان الرهن غلاما أو أمة فأعتقها الراهن فعند مالك أنه إن كان الراهن موسرا جاز عتقه وعجل للمرتهن حقه ، وإن كان معسرا بيعت وقضى الحق من ثمنها .
وعند الشافعي ثلاثة أقوال : الرد ، والاجازة ، والثالث مثل قول مالك .
وأما اختلاف الراهن والمرتهن في قدر الذي وجب به الرهن ، فإن الفقهاء اختلفوا في ذلك ، فقال مالك : القول قول المرتهن فيما ذكره من قدر الحق ما لم تكن قيمة الرهن أقل من ذلك ، فما زاد على قيمة الرهن فالقول قول الراهن .
وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وجمهور فقهاء الامصار القول في قدر الحق قول الراهن .
وعمدة الجمهور أن الراهن مدعى عليه ، والمرتهن مدع ، فوجب أن تكون اليمين على الراهن على ظاهر السنة المشهورة .
وعمدة مالك ههنا أن المرتهن وإن كان مدعيا فله ههنا شبهة بنقل اليمين إلى حيزه ، وهو كون الرهن شاهدا له ، ومن أصوله أن يحلف أقوى المتداعيين شبهة ، وهذا لا يلزم عند الجمهور ، لانه قد يرهن الراهن الشئ وقيمته أكثر من المرهون فيه .
وأما إذا تلف الرهن – واختلفوا في صفته – فالقول ههنا عند مالك قول المرتهن لانه مدعى عليه ، وهو مقر ببعض ما ادعي عليه وهذا على أصوله ، فإن المرتهن أيضا هو الضامن فيما يغاب عليه .
وأما على أصول الشافعي ، فلا يتصور على المرتهن يمين إلا أن يناكره الراهن في إتلافه .
وأما عند أبي حنيفة فالقول قول المرتهن في قيمة الرهن ، وليس يحتاج إلى صفة ، لان عند مالك يحلف على الصفة وتقويم تلك الصفة .
وإذا اختلفو في الامرين جميعا ، أعني في صفة الرهن وفي مقدار الرهن كان القول قولالمرتهن في صفة الرهن وفي الحق ما كانت قيمته الصفة التى حلف عليها شاهدة له ، وفيه ضعف .
وهل يشهد الحق لقيمة الرهن إذا اتفقا في الحق واختلفا في قيمة الرهن ؟ في المذهب فيه قولان ، والاقيس الشهادة ، لانه إذا شهد الرهن للدين شهد الدين للمرهون .
وفروع هذا الباب كثيرة ، وفيما ذكرناه كفاية في غرضنا .