بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج2-ص204
منهما باع جزءا من عرضه بجزء من العرض الآخر ، ومالك يعتبر في العروض إذا وقعت فيها الشركة القيم ، والشافعي يقول : لا تنعقد الشركة إلا على أثمان العروض ، وحكى أبو حامد أن ظاهر مذهب الشافعي يشير إلى أن الشركة مثل القراض لا تجوز إلا بالدراهم والدنانير ، قال : والقياس أن الاشاعة فيها تقوم مقام الخلط .
المسألة الثانية : وأما إن كان الصنفان مما لا يجوز فيهما النساء
مثل الشركة بالدنانير من عند أحدهما والدراهم من عند الآخر ، أو بالطعامين المختلفين ، فاختلف في ذلك قول مالك ، فأجازه مرة ، ومنعه مرة ، وذلك لما يدخل الشركة بالدراهم من عند أحدهما والدنانير من عند الآخر من الشركة والصرف معا وعدم التناجز ، ولما يدخل الطعامين المختلفين من الشركة وعدم التناجز ، وبالمنع قال ابن القاسم ، ومن لم يعتبر هذه العلل أجازها .
المسألة الثالثة : وأما الشركة بالطعام من صنف واحد ، فأجازها ابن القاسم قياسا على إجماعهم على جوازها في الصنف الواحد من الذهب أو الفضة ومنعها مالك في أحد قوليه – وهو المشهور – بعدم المناجزة الذي يدخل فيه ، إذ رأى أن الاصل هو أن لا يقاس على موضع الرخصة بالاجماع ، وقد قيل إن وجه كراهية مالك لذلك أن الشركة تفتقر إلى الاستواء في القيمة ، والبيع يفتقر إلى الاستواء في الكيل ، فافتقرت الشركة بالطعامين من صنف واحد إلى استواء القيمة والكيل وذلك لا يكاد يوجد ، فكره مالك ذلك ، فهذا هواختلافهم في جنس محل الشركة .
واختلفوا هل من شرط مال الشركة أن يختلط ، أو لا يختلط ؟ فقال مالك : إن من شرط الشركة : أن يختلطا : إما حسا وإما حكما ، مثل أن يكونا في صندوق واحد وأيديهما مطلقة عليهما ، وقال الشافعي : لا تصح الشركة حتى يخلطا ماليهما خلطا لا يتميز به مال أحدهما من مال الآخر ، وقال أبو حنيفة : تصح الشركة وإن كان مال كل واحد منهما بيده .
فأبو حنيفة اكتفى في انعقاد الشركة بالقول ، ومالك اشترط إلى ذلك اشتراك التصرف في المال ، والشافعي اشترط إلى هذين الاختلاط ، والفقه أن بالاختلاط يكون عمل الشريكين أفضل وأتم ، لان النصح يوجد منه لشريكه كما يوجد لنفسه ، فهذا هو القول في هذا الركن وفي شروطه .
فأما الركن الثاني : وهو وجه اقتسامها الربح ، فإنهم اتفقوا على أنه إذا كان الربح تابعا لرؤوس الاموال ، أعني إن كان أصل مال الشركة متساويين كان الربح بينهما نصفين .
واختلفوا هل يجوز أن يختلف رؤوس أموالهما ويستويان في الربح ؟ فقال مالك والشافعي : ذلك لا يجوز ، وقال أهل العراق : يجوز ذلك .
وعمدة من منع ذلك أن تشبيه الربح بالخسران ، فكما أنه لو اشترط أحدهما جزءا من الخسران لم يجز ، كذلك إذا اشترط جزءا من الربح خارجا عن ماله وربما شبهوا الربح بمنفعة العقار الذي بين الشريكين : أعني أن