بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج2-ص186
على استيفاء من جنس مخصوص ، فقال عبد الوهاب : الظاهر من مذهب أصحابنا أن محل استيفاء المنافع لا يتعين في الاجارة ، وإن عين فذلك كالوصف لا ينفس ببيعها أو ذهابه ، بخلاف العين المستأجرة إذا تلفت قال : وذلك مثل أن يستأجر على رعاية غنم بأعيانها أو خياطة قميص بعينه فتهلك الغنم ويحترق الثوب فلا ينفسخ العقد ، وعلى المستأجر أن يأتي بغنم مثلها ليرعاها أو قميص مثله ليخيطه قال : وقد قيل إنها تتعين بالتعيين فينفسخ العقد بتلف المحل .
وقال بعض المتأخرين : إن ذلك ليس اختلافا في المذهب وإنما ذلك على قسمين : أحدهما : أيكون المحل المعين لاستيفاء المنافع مما تقصد عينه أو مما لا تقصد عينه ، فإن كان مما تقصد عينه انفسخت الاجارة كالظئر إذا مات الطفل ، وإن كان مما لا يقصد عينلم تنفسخ الاجارة على رعاية الغنم بأعيانها أو بيع طعام في حانوت وما أشبه ذلك .
واشتراط ابن القاسم في المدونة أنه إذا استأجر على غنم بأعيانها فإنه لا يجوز إلا أن يشترط الخلف هو التفات منه إلى أنها تنفسخ بذهاب محل استيفاء المعين ، لكن لما رأى التلف سائقا إلى الفسخ رأى أنه من باب الغرر ، فلم يجز الكراء عليها إلا باشتراط الخلف .
ومن نحو هذا اختلافهم في : هل ينفسخ الكراء بموت أحد المتعاقدين أعني المكري أو المكتري ؟ فقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور : لا ينفسخ ويورث عقد الكراء ، وقال أبو حنيفة والثوري والليث : ينفسخ ، وعمدة من لم يقل بالفسخ أنه عقد معاوضة ، فلم ينفسخ بموت أحد المتعاقدين أصله البيع .
وعمدة الحنفية أن الموت نقله لاصل الرقبة المكتراة من ملك إلى ملك ، فوجب أن يبطل أصله البيع في العين المستأجرة مدة طويلة : أعني أنه لا يجوز ، فلما كان لا يجتمع العقدان معا غلب ههنا انتقال الملك وإلا بقي الملك ليس له وارث ، وذلك خلاف الاجماع ، وربما شبهوا الاجارة بالنكاح إذ كان كلاهما استيفاء منافع ، والنكاح يبطل بالموت وهو بعيد .
وربما احتجوا على المالكية فقط بأن الاجرة عندهم تستحق جزءا فجزءا بقدر ما يقبضمن المنفعة ، قالوا : وإذا كان هذا هكذا فإن مات الملك وبقيت الاجارة ، فإن المستأجر يستوفي في ملك الوارث حقا بموجب عقد في غير ملك العاقد وذلك لا يصح ، وإن مات المستأجر فتكون الاجرة مستحقة عليه بعد موته ، والميت لا يثبت عليه دين بإجماع بعد موته .
وأما الشافعية فلا يلزمهم هذا لان استيفاء الاجرة يجب عندهم بنفس العقد على ما سلف من ذلك ، وعند مالك أن أرض المطر إذا أكريت فمنع القحط من زراعتها أو زرعها فلم ينبت الزرع لمكان القحط أن الكراء ينفسخ ، وكذلك إذا استعذرت بالمطر حتى انقضى زمن الزراعة ، فلم يتمكن المكتري من أن يزرعها ، وسائر الجوائح التي تصيب الزرع لا يحط عنه من الكراء شئ ، وعنده أن الكراء الذي بوقت ما أنه إن كان ذلك الوقت مقصودا مثل كراء الرواحل في أيام الحج فغاب المكري عن ذلك الوقت أنه ينفسخ الكراء .
وأما إن