بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج2-ص179
وأما المنفعة فينبغي أن تكون من جنس ما لم ينه الشرع عنه ، وفي كل هذه المسائل اتفقوا عليها واختلفوا فيها ، فما اجتمعوا على إبطال إجارته : كل منفعة كانت لشئ محرم العين ، كذلك كل منفعة كانت محرمة بالشرع ، مثل أجر النوائح وأجر المغنيات ، وكذلك كل منفعة كانت فرض عين على الانسان بالشرع مثل الصلاة وغيرها ، واتفقوا على إجارة الدور والدواب والناس على الافعال المباحة ، وكذلك الثياب والبسط .
واختلفوا في إجارة الارضين وفي إجارة المياه وفي إجارة المؤذن وفي الاجارة على تعليم القرآن ، وفي إجارة نزو الفحول ، فأما كراء الارضين فاختلفوا فيها اختلافا كثيرا ، فقوم لم يجيزوا ذلك بتة وهم الاقل ، وبه قال طاو س وأبو بكر بن عبد الرحمن ، وقال الجمهور بجواز ذلك .
واختلف هؤلاء فيما يجوز به كراؤها ، فقال قوم : لا يجوز كراؤها إلا بالدراهم والدنانير فقط ، وهو مذهب ربيعة وسعيد بن المسيب ، وقال قوم : يجوز كراء الارض بكل شئ ما عدا الطعام ، وسواء كان ذلك بالطعام الخارج منها أو لم يكن ، وما عدا ما ينبت فيها كان طعاما أو غيره ، وإلى هذا ذهب مالك وأكثر أصحابه .
وقال آخرون : يجوز كراء الارض بما عدا الطعام فقط ، وقال آخرون : يجوز كراء الارض بكل العروض والطعام وغير ذلك ما لم يكن بجزء مما يخرج منها من الطعام ، وممن قال بهذا القول سالم بن عبد الله وغيره من المتقدمين ، وهو قول الشافعي وظاهر قول مالك في الموطأ ، وقال قوم : يجوز كراؤها بكل شئ وبجزء مما يخرج منها ، وبه قال أحمد والثوري والليث وأبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة وابن أبي ليلى والاوزاعي وجماعة .
وعمدة من لم يجز كراءها بحال ما رواه مالك بسنده عن رافع بن خديج : أن رسول الله ( ص ) نهى عن كراء المزارع قالوا : وهذا عام ، وهؤلاء لم يلتفتوا إلى ما روى مالك من تخصيص الراوي له حين روى عنه ، قال حنظلة ، فسألت رافع بن خديج عن كرائها بالذهب والورق فقال : لا بأس به .
وروى هذا عن رافع ابن عمر وأخذ بعمومه ، وكان ابن عمر قبل يكري أرضه فترك ذلك ، وهذا بناء على رأي من يرى أنه لا يخص العموم بقول الراوي .
وروي عن رافع بن خديج عن أبيه قال : نهى رسول الله ( ص ) عن إجارة الارضين قال أبو عمر بن عبد البر : واحتجوا أيضا بحديث ضمرة عن ابن شوذب عمطرف عن عطاء عن جابر قال : خطبنا رسول الله ( ص ) فقال : من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه ولا يؤاجرها فهذه هي جملة الاحاديث التي تمسك بها من لم يجز كراء الارض .
وقالوا أيضا من جهة المعنى : إنه لم يجز كراؤها لما في ذلك من الغرر ، لانه ممكن أن يصيب الزرع جائحة من نار أو قحط أو غرق ، فيكون قد لزم كراؤها من غير أن ينتفع من ذلك بشئ .
قال القاضي : ويشبه أن يقال في هذا المعنى في ذلك قصد الرفق بالناس لكثرة وجود الارض كما نهى عن بيع الماء ، ووجه الشبه بينهما أنهما أصلا الخلقة ، وأما عمدة من لم يجز كراءها إلا بالدراهم والدنانير فحديث طارق بن عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب عن رافع بن خديج عن النبي ( ص ) أنه قال :