بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج2-ص178
بسم الله الرحمن الرحيم وصل الله على سيدنا محمد واله وصحبه وسلم تسليما كتاب الاجارات والنظر في هذا الكتاب شبيه بالنظر في البيوع : أعني أن أصوله : تنحصر بالنظر في أنواعها وفي شروط الصحة فيها والفساد وفي أحكامها ، وذلك في نوع نوع منها ، أعني فيما يخص نوعا نوعا منها ، وفيما يعم أكثر من واحد منها فهذا
الكتاب ينقسم أولا إلى قسمين
القسم الاول : في أنواعها وشروط الصحة والفساد
والثاني : في معرفة أحكام الاجارات وهذا كله بعد قيام الدليل على جوازها .
فلنذكر أولا ما في ذلك من الخلاف ثم نصير إلى ذكر ما في ذينك القسمين من المسائل المشهورة .
إذ كان قصدنا إنما هو ذكر المسائل التي تجري من هذه الاشياء مجرى الامهات ، وهي التي اشتهر فيها الخلاف بين فقهاء الامصار ، فنقول : إن الاجارة جائزة عند جميع فقهاء الامصار والصدر الاول .
وحكي عن الاصم وابن علية منعها .
ودليل الجمهور قوله تعالى :
( إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني)
الآية ، وقوله :
( فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن)
ومن السنة الثابتة ما خرجه البخاري عن عائشة قالت : استأجر رسول الله ( ص ) وأبو بكر رجلا من بني الديل هاديا خريتا وهو على دين كفار قريش ، فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما وحديث جابر أنه باع من النبي ( ص ) بعيرا وشرط ظهره إلى المدينة .
وما جاز استيفاؤه بالشرط جاز استيفاؤه بالاجر .
وشبهة من منع ذلك أن المعاوضات إنما يستحق فيها تسليم الثمن بتسليم العين كالحال في الاعيان المحسوسة .
والمنافع فيالاجارات في وقت العقد معدومة ، فكان ذلك غررا ومن بيع ما لم يخلق ، ونحن نقول : إنها وإن كانت معدومة في حال العقد فهي مستوفاة في الغالب ، والشرع إنما لحظ من هذه المنافع ما يستوفي في الغالب ، أو يكون استيفاؤه وعدم استيفائه على السواء .
القسم الاول : وهذا القسم النظر فيه في جنس الثمن وجنس المنفعة التي يكون الثمن مقابلا لوصفتها .
فأما الثمن فينبغي أن يكون مما يجوز بيعه ، وقد تقدم ذلك في باب البيوع